ترنمت الزوجة في الوقت الذي ينوح ويندب ويصرخ ويرفض ويلوم بل يلعن ويجدف ويكفر ويطلب الموت غيرها ممن لا يعرف او يرفض عظمة إلهه، او من ليس له إله مثل إلهها. تلك الآلهة التي لا تضمن لمن يعبدونها غير اللامضمون والقدرية والغيب والشكوك، معتمدة علي جهاد وصلاح اعمال الشخص ذاته في تحديد مستقبله الأبدي. نعم رنمت وتغنت في مشاهد الموت والفراق والألم والدموع الذين عرفوا طريقهم لأذهاننا وقلوبنا وعيوننا نحن من كنا بصحبتها في الطريق لمدفن زوجها. ولكن ماجدة مرقس كان حالها مختلف! نعم أنها ترى وتعرف وتؤمن وتوقن بانه ولا الصعاب ولا الضيق ولا العصف الشديد ولا السؤال البعيد ولا الحزن العميق يقدروا جميعاً ان يغلبوا من وضعت إيمانها وثقتها ورجاءها وحياتها فيه. فهتفت مرنمة "ليس من صعب او ضيق لا يغلبه ... ليس من عصف شديد لا يسكته …ليس من سؤل بعيد لا يملكه ... ليس من حزن عميق لا يمسحه … ان كان حزننا قد حمل على الصليب فانه سوف يحملك"
ثم نظرت للمستقبل والماضي بعيون الايمان واحجار المعونة ورنمت "تمر السنين وتفضل أمين … في وقت الجروح والخوف والطروح بنجيلك يا غالي ألمنا يروح" هذه الزوجة التي انكسرت بمنطق كل بشر وانتهت كل احلامها اليوم عندما فارق الدنيا زوجها جون زكريا في التاسعة والعشرين من عمره في اقصر رحلة مع السرطان رايتها في حياتي، نعم فارق عالمنا ولكنها تعرف انه لم يفارق الحياة. أنها تثق في خالقها تمام الثقة رغم استجابته لصلاتها بما لم تتمنى فرنمت شاكرة "تعلو الحياة بي او ربما تهوي لكنك في قلبي كما انت … في قلبي كما انت لا يعتريك سيدي تغيير البتة…" لم يتغير موقفها من قدرته ومحبته وعنايته وحكمته وحنانه وصلاح خطته فعادت ورنمت بثقة "انت ليك قصد في حياتي ليّ ضامن انه يكمل … انت راسم ليّ سكة وخطة صالحة مش هاتفشل" … هذه الزوجة الضعيفة قد تواضعت ووضعت حياتها في حمى صخر الدهور فقالت مرنمة "زي عيون العبيد ياسيد عيونا اليك نتغير لمجدك وصورتك وحياتنا هانعيشها ليك" ثم اكملت مؤمنة "وما بين ضلمة ونور إيماني يكون شهادة … وأنسى إني كنت خايف وانسى إني كنت جريح … واللي يشوفني يلاقي في صورة المسيح"
أنها تعبد هذا الإله الذي محى الحزن بالفرح والعداوة بالمحبة، هو من ابدل الظلمة بالنور، نعم انها تعرفه فهو هو الذي قهر مرة وإلى الابد الموت بالقيامة وهو من سيمهد الصعاب ويضمن المستقبل ضد حروب الشرير فرنمت "الله أنت خلاصي فأطمن .. في يدك وديعتي ففيك ثقتي … يزمجر عدوى يجول لابتلاعي … مستقبلي في يدك مؤمن لى عندك، على الأتي أشكرك ففيك ثقتي ..." ثم عادت لتشهد مرنمة رغم الألم والدموع والفراق "مفارقنيش أبدا أبداً حسانك لا مافرقنيش" انه العزاء والدواء من الجروح بالمجروح فصرخت مرنمة "مالناش غيرك الهنا الحي بنترجاك" فهي ليست مغيبة كما انها لا تختذل التجربة في حالة نفسية او عملية إسقاط تهرب بها من الواقع الاليم، بل انها تعي حجم التجربة والجرح نعم انها قناعة عميقة وليست مجرد قناع، انه الرجاء.
قل لي ماذا تتوقع وكيف تتخيل مستقبل هذه المؤمنة؟ ان جاز لي القول أنها بإيمانها وثقتها وثباتها وتثبيت نظرها على الرب قد أجبرته ان يريها ويرينا فيها حياة تعكس معية وقدرة وسلطان ومحبة وصلاح الله ليس كما تعودناها او رأيناهم من قبل، أقول هذا بشرياً وكتابياً أيضاً فانها الثقة التي لها المجازاة العظيمة.
عزيزي ضع مشكلتك او تجربتك أمام أعينك وحاول ان تتعامل معها وأنا اضمن لك الانهيار والانكسار والمرار ولكن إذا نظرت لها من خلال أبوك السماوي سترى حجمها الحقيقي، ستراها في بعدها الابوي وبعدها الابدي، وقتها فقط ستدرك ان هذا السواد القاتم لهو جزء صغير جداً من رسمة عملاقة جميلة يرسمها مبدع الكون اسمها المحبة.
No comments:
Post a Comment