انه لمن المعروف ان رجل الله في العهد القديم ينقل ويُمثل فكر الله بين البشر. في وقت لا مطر فيه وفي انتظار مجاعة حتمية حدثت تلك القصة: طلب نبي من أرملة أن يشرب، في كثير من الاحيان يطلب الله منا أمور في مقدورنا تنفيذها، فلا مانع أن نضحي بكوب ماء من أجل السيد، هذا ما قد فعلته تلك الأرملة وكأنها تمدح نفسها وفخورة لكرمها وإكرامها لرجل الله في كوب الماء هذا في زمن ندرت المياه فيه، فقامت لتأتي بها دون أسئلة ولا اعتراض.
ثم عاد وطلب إيليا من الارملة أن يأكل، لقد عمّق الطلب قليلاً إذ طلب كِسرة خبز في زمن المجاعة، وكأنه يختبر الى أي مدي ستتجاوب معه. لم تُخفي المرأة قلقها فأفصحت أنها أخر وجبة عندها ثم الموت مُحتَم لها ولولدها. وكأنها تقول "هل هذا معقول؟ فان كنت أنت وأنت نبي الله ليس لديك خبز فكيف سيكون حالي وانا المرأة الوحيدة والضعيفة؟!" ولكن بعد حوار مُطمئن أخذها الى طلب أعمق، إذ طلب منها أن يأكل هو أولاً، ولتأكل هي وابنها اخيراً، كثيراً ما يضعنا الله في هذا الامتحان المتكرر "هل أنا الأول؟" و"هل انا الاول رغم الواقع المنظور والغير المنطقي؟" لقد قال إيليا أن البركة لن تنقطع من البيت فالزيت لن ينقص والدقيق لن يفرُغ؛ وهنا شعرت الأرملة ان البركة تستحق المجازفة، نعم فخطر الموت عبر وأكلت ليس هي وأبنها ورجل الله فقط ولكن بيتها أيضاً حتي جاء المطر..
ولكن في بُعد أعمق واكثر حساسية وألم أخذ الرب الولد؛ ابنها وحيدها، وهنا المحك، فهو لم يسألها قبل ان يأخذ الولد لأنه يعرف جيدا انها لن تقبل… فكوب ماء ممكن، كسرة خبز صعب، كعكة صغيرة ومعها بركة لا مانع، لكن الولد!! لا، وكأنها تقول حتى ولو كان ذلك بعدل الله لكن عند الولد أنا اعترض.. لقد تناست انها قبل أياماً كانت قد سلمت بموت الولد وموتها جوعاً. كثيراً ما يأخذنا الله لاعماق حساسة وحيوية في حياتنا، ياخذنا عند الغالي والثمين، عند امور كثيراً ما نخرجها خارج نطاق العطاء والتقدمة، ويسألنا السؤال مرة أخرى "هل ستعطني ما أطلبه؟" ويضيف "هل مازلت تثق فيّ كما اظهرت تجاوبك وثقتك وسخائك وطاعتك في الامور الصغيرة؟ هل تشعر انه بإمكاني ان إملاء الفراغ؟" والسؤال المهم "هل تعلمت نتيجة الطاعة من اختبارات الماضي؟" لقد استخدم الله إيليا وعادت روح الولد فيه ولم تفقده امه.
هنا الدرس... اذا رجعت بضع خطوات للخلف سترى الصورة الكبرى، ستعرف ان الرب في كل المواقف لم يأخذ منها شيئاً بل في كل مرة يأخذها هي في عمق جديد من الاختبار، النقطة المحورية هنا ان الله لا يأخذ منا بل يأخذنا نحن لأعماق جديدة من البركة والمجد والنصرة والعشرة والمحبة، هناك يكشف لنا عن ذاته في أبعاد جديدة، هناك سنعرف انه لم يُخطئ، لم يقسو ولم يكسر إلا لما فيه بركتنا وصالحنا، كما انه لم يجرح إلا ليعصب ويطهر ويداوي تشوهات وعلل زرعتها وأصلتها الخطية والعالم والجسد فينا. راجع قصة المرأة التي كانت تعيش في الخطية وطلب منها المسيح ان يشرب، لم يقل الكتاب انه شرب ولكنه أعطاها ماء الحياة وصنع منها اسرع مرسلة في التاريخ.
هل تستأمن الله على حياتك وبيتك وما لك؟ أم انك تختار من بين عطاياه ما سوف تقدمه له؟ لو طلب منك الله ان تُعطي من إعوازك هل ستفعل؟ ان طلب منك ان تُقدم العزيز والغالي والثمين، هل سترضى وتقبل؟ هل ستدرك البعد الكلي للصورة؟ أم انك ستقع فريسة المشاعر والمنطق والعقل والشفقة على النفس وغيرها من الأحاسيس التي تُفقدنا ما لم ولن نعوضه؟ اعتقد إذا ترسخ هذا الفكر فينا سيتغير الكثير من ردود افعالنا وتأثيرها علينا تجاه معاملات الله في صورتها الكلية.
No comments:
Post a Comment