رجع ابننا ذو التسع اعوام متآخراً بعض الشئ من اللعب مع أقرانه من الجيران ووجدت زوجتي في تأهب وتوجس وتوتر رهيب وكأن الولد قد انزلقت رجليه للانحراف والمخدرات والجنس وغاص في كل الشرور والخطيئة التي يرتعد منها اي اب او أم، فوجدتني بين نارين، فانا أريد ان اعرف ماذا حدث مع الولد حتى تأخر من ناحية وان تكبح المخاوف التي كادت ان تفتك بها والتي ظهرت في نظرات وإيماءات وحركات وتعبيرات وإمتعاضات وغمزات ولمعان العيون من الناحية الأخرى. ومن هنا ففكرت ان اكتب بعض الملاحظات حتى نستعد ونتهئ لما نحن مُقبلون عليه بأكثر تركيزاً على الهدف. من المعروف ان الولد سابق أقرانه لقدراته ولاهتمامي الزائد بان يواجه معترك الحياة في اسرع وقت، فقد قلت يوماً "إحنا عندنا مراهق عمره ٤ سنوات" وقتها كانت اول مرة اشرح له اسس اختيار شريك الحياة بعد ان حكى لي عن چانا عمرو، ومن ناحيتي اصريت ان أراها في اليوم التالي وأُعجبت باختياره مُقارنة بمعتياطه وقتها! ولك ان تتخيل ما نجتازه الآن بعد ان أتم عامه التاسع من بضع شهور.. على العموم انا اُفضل المراهقة المُبكرة عن المتأخرة.. لقد أوجزت هذا الموضوع الكبير كما يلي:
- احكي لها عنك كمراهق - قدر المُستطاع ؛-):
عندما تُشاركها بما مررت به اثناء تلك المرحلة سيؤهلها ذلك نفسياً لما ستجتاز فيه وكيفية فهمها وتعاملها معه. تكلم عن الخبرات الاولى لك في الامور المختلفة، تكلم عن رفضك لكل ما هو معتاد والتهور والمُخاطرات غير المحسوبة، واقرنها بالإبداع والتطوير. تكلم عن النمو والتغيرات والطاقات الجسدية التي قد تُهشم أثاث البيت يوماً ما ووضح ان هذه الإمكانيات ما ستبني بنيان الرجل يوماً قريباً. تكلم عن المشاعر والعواطف المتأججة والناتج المتوقع منها، اغلب الشخصيات السوية مرت بتجارب عاطفية شكلت نضوجاً عندما أتت للقرارات الكبيرة. تكلم عن حبه للتجديد والبحث عما هو مختلف واقرن ذلك باستعداده وتجهيزه لان يشق طريق الحياة بنضوج وضبط نفس كصاحب عمل ناجح مثلاً. تكلم عن التقلبات المزاجية، اشرح كيف يقبل ويرفض نفس الشئ في فترات زمنية متقاربة، الشئ الذي سيساعده يوما ان يشكل قراراته من خلال تجارب خاضها لبناء خبرات شخصية للمستقبل. تكلم عن نشوتك وانت تتصرف بالانفصال عن اهلك، الامر الذي سترفضه زوجتك ولكن حالما ستتفهمه عندما تشرح لها انه تجهيز ان ينفصل لأسرته يوماً، قل لها "أم تتمني ان يكون طفلاً مدى الحياة؟" تكلم عن هندامه واهتمامه بشكله ومظهره، وطريقة كلامه ومشيته واهتمامه بمن حوله واربط ذلك بالثقة بالنفس والذكاء الاجتماعي، ففور الانتهاء من مرحلة المراهقة سيكون قد انفتح على العالم بأكمله.. تكلم معها عن متعتها اثناء المراهقة في ان يكون لها اسرار، عندما تحكي لها هذه القصص تكون قد قدمت لها تفصيلاً عن خصائص المرحلة وتأثيرها في مُستقبله. احكي لها كيف عبرت تلك المرحلة، تكلم عن الخسائر والمكاسب وأسبابها. اشرح لها انه لا خبرة بدون ثمن، والهدف ان نمر بهذه المرحلة بأكبر قدر من الخبرة بأقل جروح.
- تكلم مع زوجتك عن الفارق بين الاولاد والبنات:
على الرغم من سذاجة الفكرة لكن لابد ان تعرف ان زوجتك تُفكر وتُحلل وترى من منظور الفتاة، لذا يجب عليك ان تشرح لها ان الولد مختلف من حيث البنيان والعقل والمشاعر والإرادة والمنهج والغريزة والتكوين والرغبات والميول.
- تكلما عنها في مراهقتها ونظرتها للمراهق:
من المعروف لدينا كشرقيين ان البنت تتربى على ان الولد في هذه المرحلة أشبه بالشيطان الجامح، لذا فعندما تصير أم تجد نفسها مُتوجسة وُمنتظرة الكوارث من كل جانب. دورك كزوج ان تُفند لها الحقيقة وكيفية التعامُل معها، فعندما تضعُ نفسكَ مكانها ستجدها لامعة ودامعة العينين في ترقب وضغط عصبي رهيب قد يقودها لهواجس تكسر الثقة بينها وبين الولد والتي تعتبر هي القناة الوحيدة التي ستعبر به هذه المرحلة. ذكرها بالشاب الروش الذي جذب انتباهها يوماً ودعها تتخيل ابنها.
- اشرح دور الاهل في هذه المرحلة:
تأتي المراهقة صادمة بالنسبة للأهل، فبعد ان اعتادوا على التدخل في كل تفاصيل حياة الولد وقراراته يجدوا انفسهم امام كارثة ان الولد رافض لكل قراراتهم من ناحية ومن تفريغهم من سلطتهم من ناحية أخرى، ومن منطلق المحبة والخوف والشعور بالمسؤولية والأنانية أحياناً يحاول الاهل ان يقسو أكثر على الولد لتنفيذ إرادتهم، وهم لا يعلمون حقيقة الامر أنهم يحرقون كباري التواصل.
ينحصر دور الاهل في هذه المرحلة في الثبات على المحبة والعطاء الغير مشروط برغم كل الرفض الذي يُوجه ضدهم أحياناً كثيرة. ان هذه المرحلة يجب ان يكون مبتغى دورك هو ان تكونا أصدقاء للولد، وقتها ووقتها فقط قد يشارككم بعض أخباره وأفكاره. احذر ان يشعر انه مُراقب او مُخون او يُنظر له انه طفل يُقدم تقريرا مُفصلاً. استمر في الاكترار على ما تعلم اثناء طفولته وقدم له أمثلة حية من واقع الحياة لشباب من النقيضين وتأثير ذلك عليهم.
طبعاً ستسألك زوجتك "مفيش عقاب؟" يجب ان يكون التقويم والعقاب فعال - له تأثير زمني محدد - مصحوب بشرح للقانون المكسور وللهدف خلف التكدير - افعل ذلك بكل محبة وحزم. طبعا ابتعد عن العقاب البدني خصوصا لانه قد يُقاومك الولد فنقع في مشكلة أكبر، كما تجنب المجاهرة بالعقاب في وجود اناساً فهذا يشحن الولد بحجم رهيب من الطاقات السلبية والاحباط وخدش المظهر الذي يجمّله لكل اهتمام. يعتبر حرمان المُراهق من شئ مهم او محبب من أكثر أنواع العقاب تأثيرا. تبقى نقطة حساسة في هذا الموضوع، علينا ان نُفرّق جيداً بين التغير الطبيعي للأجيال والتطور والمبادئ، فلا يُمكن ان نحاسب أولادنا بمقايس جيلنا، مرة أخرى فرق بين تغيرات الزمن وكسر المبادئ، فالأولى ليست قانون ولا يمكن ان يُعاقب عليها، ولكن المبادئ المفروض الا تتغير أبداً.
- تكلم عن الناتج النهائي المطلوب بعد المراهقة:
من المعروف عن الأمهات انها تنتظر الكمال من الولد اليوم، تنتظر الكمال في كل التفاصيل؛ في الواجب، في حجرته، في أصدقائه، في المسؤولية، في الاحترام، في الاختيارات، في الروحيات. ولكن علينا ان نعلم ان الشاب اثناء تلك المرحلة مثالي وسريع الإحباط.. فهو يريد ان يكون كل شئ، ولكن نضوجه النامي يحيل دون ذلك، فتجده سريعاً ما يترك الجمل بما حمل. هنا أهمية ان نعرف الحساب والتقييم والتقويم والتعديل لا يسير واحدة بواحدة، وموقف بموقف وان كنا لن نتنازل عن المبادئ في اي مرحلة لكن اعلم ان صلابة رقبة المراهق قد تكسرها قسوة الحكم عليه، من المهم جداً ان نرضى بالخسائر المحدودة للوصول للمكسب الكبير. علينا ان نعلم ان مفتاح المراهق هو قيمته وتشجيعه، ويسيرا الاثنان جانباً الى جنب طوال تلك الفترة. تكلم عن قيمته طوال الوقت وتصيد الفرص لتشجيعه، امتدحه وستجد طاقة جبارة تدفعه ليعمل المزيد من اجل المدح. وقتها سيكون نظرك مُثبت على الناتج النهائي للمرحلة وليس انتصار لمعارك صغير تُفقدك جولاتها المنال النهائي.
- اكد محدودية مسؤوليتكما على الرغم من أهميتها:
لقد نشاء أطفال وشباب في بيوت منهدمة، مفككة ومُنحلة ولكن خرج منها رجال ونساء مُحترمين، ذو نضوج ورسالة في الحياة، كما نشاء آخرون في بيوت وفرت لهم كل المقومات للنجاح، الامر الذي أطاح بهم الى مذابل المجتمع.. علينا ان نعرف ان أولادنا ليسوا ملكاً لنا ولا مسؤوليتنا بمفردنا.. أؤمن واعرف واختبرت ان الله وحده هو الذي يحملك ويحمل أولادك.. هو وحده الذي يستطيع ان يُكمل نقائص الوالدين، فمن منا كفء لهذه المهمة الرهيبة؟ عليك ان تكلم إلهك عن أولادك أكثر من ان تكلمهم عنه، اعرف ان الصلاة افضل من الميراث، علينا ان نكون قدوة لا قادة لأولادنا. راجع نفسك والمشاكل المتكررة مع اولادك وستجدها نقاط ضعف فينا نحن أساساً.
No comments:
Post a Comment